مراحل نمو الطفولة ومنطلقات التفاعل معها
إن أصل طبيعة الطفل دون السابعة تستجيب للمناغمة والتعويد , وهذه المرحلة تتسم بالحاجة إلى تكوين أبسط الخبرات وتكرارها , وتتميز بضعف القدرة على التركيز والمتابعة والتذكر , ولذلك كانت المناغمة والحوار والملاعبة والصبر والتكرار أساس التربية في هذه المرحلة , ومن المهم فيها ألفة الطفل لمربيه , وحبه له وثقته به , وثبات خطة المربي ومعرفته لما هو مطلوب من الطفل حتى يتحقق عند الطفل حس الأمن , وتتاح له فرصة التعود , وهذا يكون حين لا تتعارض توجيعات المربي ولا تتفاوت , ولا ينقطع خيط تعويداتها , بحيث يأنس الطفل , ويعلم ما هو مطلوب منه , وصولا إلى تكوين المفاهيم والعادات المرغوبة في سلوكه , وفي علاقاته وتعامله مع الآخرين .
ثم تأتي مرحلة التمييز في حوالي السابعة من العمر , وهي تستلزم جو علاقة الحب والمودة والثقة والولاء الملموسة , والتعبير عنها بمختلف الوسائل , وبها يستمر المربي في المتابعة الصبورة , وفي تعويد الطفل على العادات والأساليب الصحيحة والأخلاق الحميدة في التعامل مع من حوله من الصغار والكبار , وتوجيهه إلى الألفة والمشاركة , واحترام حقوق الآخرين , والتعاون معهم , وبذل الجهد لإنجاز الواجبات , وربط مشاعره وإنجازاته الإيجابية بمدى تحقيق هذه الغايات في سلوكه , وفي علاقاته مع الآخرين .
ومع بلوغ الطفل سن العاشرة تبدأ –بتفاوت – مرحلة النضج الجسدي والنفسي لديه , وعندها يجب أن يبدأ المربي بتعويد الطفل على تحمل تكاليف المسؤوليات , والتطلع الإيجابي للسبق والتمييز وفتح آفاق المعارف أمام نفسه المتطلعة إلى المعرفة والشغوفة بالإستكشاف والمولعة بالإنجاز والإبداع و بالرغبة في التمييز وتحمل المخاطر , لتحقيق هذه الأهداف يجب توفير كل وسائلها المدروسة والحرص – في الوقت نفسه – على عدم تعرض الطفل بسببها لغير المحسوب حسابه من المخاطر أو الإحباطات .
وهكذا فإن الحب في كل مراحل الطفولة هو عماد التربية السليمة الناجحة كما يجب أن يستأثر التعويد في الطفولة وضبط المنهج التربوي بنصيب الأسد .
أما مرحلة المراهقة ففيها يستولي على نفس الطفل حب المعرفة وطلب الإقتناع وحب الإستقلال وتلمس الطريق بروح الإستكشاف والتسامي , في الوقت الذي يتعرض لتغيرات جسدية ونفسية ووجدانية ليس له سابق خبرة ولا معرفة بالأساليب الصحيحة في التعامل معها , مما يثير الإضطراب في نفسه , وفي علاقاته , وتتنازعه الأحاسيس , وقد تدفعه إلى الإنطواء واستيلاء مشاعر الخجل عليه , أو إلى العكس من ذلك فقد تدفعه إلى العصيان والصدام والإنفلات , ومن خلال التواصل وإفساح الصدر والمجال لمشاعر الإستقلال والإنجاز والإستكششاف وطلب المعرفة في ظل الرعاية , وتوفير المناخات النظيفة , والمتابعة الرؤوفة , والتوجيه اللبق , والخلطات السليمة , يمكن تحقيق النتائج الإيجابية , وبها يتم التفتح والتحكم بالطاقات والقوى المتفجرة في كيان الصغير .
مع النضج وبلوغ ريعان الشباب وطاقاته وتطلعاته والجرأة في سلوك فجاج الحياة , فإن الثقة والتشجيع وإلقاء عبء المسؤوليات على الأكتاف الشابة هي ما يحتاج إليه الشاب ليكون خبراته ويشق طريقه في الحياة : عضوا قادرا نافعا , وإنسانا مبدعا متميزا بالمبادرة والطاقة الوجدانية , والقدرة على تحمل المسؤوليات , بالقوة والأمانة اللائقة بالمسلم المستخلف .
إن عنصر الإقتناع والتشجيع والإحترام وإفساح المجال للمبادرة والإبداع وتحمل المسؤوليات هي أساس الجانب الجمعي في بناء الشخصية الإيجابية , وإذا تعهد المربون نفوس الأطفال والشباب بالعناية والرعاية والقدرة والأمانة وصنعوا سواعد الصلاح و الإصلاح وإلا فلا مجال دون ذلك لميلاد جيل حملة الرسالة , ولا مكان لمجتمع القوة والتكافل والشورى والكرامة .[/td][/tr]